لقد شكل اجراء رفع السر البنكي الذي جاء به قانون المالية التكميلي لسنة 2014 اضافة كبيرة لحزمة الإجراءات القانونية التي تستهدف التهرب الجبائي. ورغم التحفظات التي وردت في شأنه فإن هذا الإجراء لم يشذ على الممارسات المتبعة في هذا المجال على الصعيد العالمي.
إلا أن الإجراء الجديد الوارد في مشروع قانون المالية لسنة 2016 والذي يهدف إلى رفع السر المهني بصفة عامة ماعدا مجالات الصحة والاحصاء يعد سابقة بأتم معنى الكلمة ليس فقط على الصعيد الوطني بل على الصعيد العالمي.
لقد استقرت التشريعات في كل البلدان على حماية السر المهني لما في ذلك من أهمية في حماية المعطيات الشخصية والمصالح الاقتصادية ولم يستثنى من هذه الحماية إلا ما يخص الأمن القومي وحالات جزائية حصرية. لأن حماية السر المهني وسيلة لاطمئنان المتعاملين على خصوصياتهم ومصالحهم وضرورة لإرساء علاقات مهنية سليمة.
رفع السر المهني سوف يضرب كل هذه المبادئ في مجالات عديدة مثل القطاع البنكي والمهن الاستشارية على غرار المحاماة والمحاسبة والاستشارة الجبائية والدراسات بأنواعها ونحن ننبه من أن هذا الإجراء سوف يخلق فوضى في هذه الاختصاصات وذلك للاسباب التالية:
- إن المهن الاستشارية تعتمد على مبدأ الثقة والتعاون بين المهني والحريف الذي يقدم أسراره طلبا للنصح والتوجيه. ولا يجب ان يذهب الظن هنا الى أن المهني يساعد بالضرورة حريفه على التهرب بل على تحسين أدائه وفقا للقانون.
- ان رفع السر المهني سوف يؤدي الى وضعيات تعامل تسودها الريبة والشك مما يضرب المصالح الاقتصادية أكثر مما يساعد على احترام القانون وعدم التهرب.
- ان اي عملية لرفع السر المهني تستوجب وضع أسس واضحة لحماية المعطيات المصرح بها وآليات مضبوطة لحمايتها وهو ما لم يتم اعداده في نص مشروع القانون الذي جاء على إطلاقه. جدير بالذكر هنا أنه حتى في الحالات الاستثنائية التي سمح فيها برفع السر المهني، حرصت التشريعات على تنظيم الإجراء واحكام التعامل به الذي لا يكون الا أمام محاكم وقضاة متخصصين.
- إن اختلاف طرق التعامل وتقييم المعطيات التي ينتهجها المهني من ناحية والادارة الجبائية من ناحية أخرى تؤدي إلى ضرورة التفرقة بين المسلكين.
لقد شكل اجراء رفع السر البنكي الذي بدأ التعامل به منذ غرة جانفي 2015 موضوعا ساخنا للنقاش وصل حتى قبة المجلس التأسيسي حيث اعتبره البعض الوسيلة الكفيلة بتحقيق الشفافية الجبائية وتكريس العدالة في هذا المجال الحيوي نظرا للعدد الكبير للمتهربين والحجم المتزايد لخسارة الدولة لمواردها الجبائية، بينما اعتبره البعض الآخر بابا مفتوحا لتعسف الإدارة الجبائية خاصة في غياب ضمانات كافية لدافعي الضرائب.
هذا التباين في وجهات النظر أدى بصعوبة إلى صيغة توافقية حصرت مجال تطبيق الإجراء لدى الخاضعين للرقابة المعمقة وبعد استخراج إذن قضائي في الغرض.
مشروع قانون المالية الذي تقترحه الإدارة هذه الأيام على مجلس نواب الشعب يأتي ليس فقط لإلغاء الصيغة التوافقية التي تم بمقتضاها اعتماد اجراء رفع السر البنكي بل وفتح مجاله لكل أنواع السر المهني ما عدا المعلومات الصحية والإحصائية وهو ما سيفتح للإدارة طريقا غير محدد للاطلاع على كل المعطيات، لا فقط البنكية والمصرفية بل وغيرها من المعطيات الخاصة وذلك دون اللجوء لرقابة القضاء.
وهنا من البديهي أن نتساءل عن الإطار الذي تعتزم الإدارة العمل فيه لاستعمال هذه المعطيات خارج إجراءات الرقابة المعمقة؟ وماهي ضمانات دافع الأداء في هذا الإطار؟
لن يخلو هذا الإجراء من ايجابيات باعتبار أن التحصل على هذه المعلومات سوف يمكن الادارة من قاعدة بيانات ضخم
لمراقبة العمليات المالية وتقاطع هذه المعلومات، كما سوف يمكنها من تطوير نجاعة العمليات الرقابية باعتبار إمكانية القيام بمسح أولي قبل إطلاق إجراءات الرقابة المعمقة المكلفة في الجهد والوقت والموارد.
الا أن هذا الإجراء سوف يمس دون شك من حقوق دافع الضرائب باعتبار ان النص المقترح لا يوحي بضرورة إعلام المعني بالأمر أو تنبيهه، بحيث يمكن ان يؤدي ذلك إلى مَس من الحقوق الأولية لحماية الحياة الشخصية، بل ويمكن أن يؤدي إلى الحد من نجاعة عمليات الرقابة إذا ما قامت الإدارة بتأويلات منقوصة أو خاطئة.
كما نتساءل لماذا نلتجئ الادارة الى تغيير النص القانون والحال أنها لم تطبق النص الأول ولم تختبر آثاره على أرض الواقع؟
إن السبيل لمراقبة ناجعة للتهرب الجبائي هو التعاون بين كل الأطراف بما في ذلك الادارة والبنوك والمهنيين، وهذا ما انفك على تأكيده السيد سليم شاكر وزير المالية الذي صرح برغبته في إطلاق عملية حوار شاملة مع المهنيين ودافعي الأداء، لكن اقتراح هذا الإجراء يأتي للأسف في اتجاه مخالف للتيار.
لقد استقرت التشريعات في كل البلدان على حماية السر المهني لما في ذلك من أهمية في حماية المعطيات الشخصية والمصالح الاقتصادية ولم يستثنى من هذه الحماية إلا ما يخص الأمن القومي وحالات جزائية حصرية. لأن حماية السر المهني وسيلة لاطمئنان المتعاملين على خصوصياتهم ومصالحهم وضرورة لإرساء علاقات مهنية سليمة.
رفع السر المهني سوف يضرب كل هذه المبادئ في مجالات عديدة مثل القطاع البنكي والمهن الاستشارية على غرار المحاماة والمحاسبة والاستشارة الجبائية والدراسات بأنواعها ونحن ننبه من أن هذا الإجراء سوف يخلق فوضى في هذه الاختصاصات وذلك للاسباب التالية:
- إن المهن الاستشارية تعتمد على مبدأ الثقة والتعاون بين المهني والحريف الذي يقدم أسراره طلبا للنصح والتوجيه. ولا يجب ان يذهب الظن هنا الى أن المهني يساعد بالضرورة حريفه على التهرب بل على تحسين أدائه وفقا للقانون.
- ان رفع السر المهني سوف يؤدي الى وضعيات تعامل تسودها الريبة والشك مما يضرب المصالح الاقتصادية أكثر مما يساعد على احترام القانون وعدم التهرب.
- ان اي عملية لرفع السر المهني تستوجب وضع أسس واضحة لحماية المعطيات المصرح بها وآليات مضبوطة لحمايتها وهو ما لم يتم اعداده في نص مشروع القانون الذي جاء على إطلاقه. جدير بالذكر هنا أنه حتى في الحالات الاستثنائية التي سمح فيها برفع السر المهني، حرصت التشريعات على تنظيم الإجراء واحكام التعامل به الذي لا يكون الا أمام محاكم وقضاة متخصصين.
- إن اختلاف طرق التعامل وتقييم المعطيات التي ينتهجها المهني من ناحية والادارة الجبائية من ناحية أخرى تؤدي إلى ضرورة التفرقة بين المسلكين.
لقد شكل اجراء رفع السر البنكي الذي بدأ التعامل به منذ غرة جانفي 2015 موضوعا ساخنا للنقاش وصل حتى قبة المجلس التأسيسي حيث اعتبره البعض الوسيلة الكفيلة بتحقيق الشفافية الجبائية وتكريس العدالة في هذا المجال الحيوي نظرا للعدد الكبير للمتهربين والحجم المتزايد لخسارة الدولة لمواردها الجبائية، بينما اعتبره البعض الآخر بابا مفتوحا لتعسف الإدارة الجبائية خاصة في غياب ضمانات كافية لدافعي الضرائب.
هذا التباين في وجهات النظر أدى بصعوبة إلى صيغة توافقية حصرت مجال تطبيق الإجراء لدى الخاضعين للرقابة المعمقة وبعد استخراج إذن قضائي في الغرض.
مشروع قانون المالية الذي تقترحه الإدارة هذه الأيام على مجلس نواب الشعب يأتي ليس فقط لإلغاء الصيغة التوافقية التي تم بمقتضاها اعتماد اجراء رفع السر البنكي بل وفتح مجاله لكل أنواع السر المهني ما عدا المعلومات الصحية والإحصائية وهو ما سيفتح للإدارة طريقا غير محدد للاطلاع على كل المعطيات، لا فقط البنكية والمصرفية بل وغيرها من المعطيات الخاصة وذلك دون اللجوء لرقابة القضاء.
وهنا من البديهي أن نتساءل عن الإطار الذي تعتزم الإدارة العمل فيه لاستعمال هذه المعطيات خارج إجراءات الرقابة المعمقة؟ وماهي ضمانات دافع الأداء في هذا الإطار؟
لن يخلو هذا الإجراء من ايجابيات باعتبار أن التحصل على هذه المعلومات سوف يمكن الادارة من قاعدة بيانات ضخم
لمراقبة العمليات المالية وتقاطع هذه المعلومات، كما سوف يمكنها من تطوير نجاعة العمليات الرقابية باعتبار إمكانية القيام بمسح أولي قبل إطلاق إجراءات الرقابة المعمقة المكلفة في الجهد والوقت والموارد.
الا أن هذا الإجراء سوف يمس دون شك من حقوق دافع الضرائب باعتبار ان النص المقترح لا يوحي بضرورة إعلام المعني بالأمر أو تنبيهه، بحيث يمكن ان يؤدي ذلك إلى مَس من الحقوق الأولية لحماية الحياة الشخصية، بل ويمكن أن يؤدي إلى الحد من نجاعة عمليات الرقابة إذا ما قامت الإدارة بتأويلات منقوصة أو خاطئة.
كما نتساءل لماذا نلتجئ الادارة الى تغيير النص القانون والحال أنها لم تطبق النص الأول ولم تختبر آثاره على أرض الواقع؟
إن السبيل لمراقبة ناجعة للتهرب الجبائي هو التعاون بين كل الأطراف بما في ذلك الادارة والبنوك والمهنيين، وهذا ما انفك على تأكيده السيد سليم شاكر وزير المالية الذي صرح برغبته في إطلاق عملية حوار شاملة مع المهنيين ودافعي الأداء، لكن اقتراح هذا الإجراء يأتي للأسف في اتجاه مخالف للتيار.
أنيس الوهابي - وات - أكتوبر 2015
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire