يخضع التصرف في موارد الدولة لقواعد صارمة تحددها جملة من القوانين الهامة مثل القانون الأساسي للميزانية ومجلة المحاسبة العمومية ولقواعد عامة للمالية العمومية مثل ترشيد الإنفاق العام بحيث والتوازن بين الموارد والأعباء والشمولية والتخصيص.
الانخراط الذي مَس وضعية المالية العمومية في تونس سببه عدم احترام هذه المبادئ وبكل بساطة فإن اللغط الخاص منذ ايام حول قضية تبخر أموال من الميزانية وما الى ذلك سببه عدم احترام المبادئ المذكورة.
كما ان ما تم التصريح به من ان الأموال تبخرت ومن تكذيب لذلك كله غير دقيق باعتبار انه لم يتم ارجاعه لأصل الأشياء.
ما حصل هو انه لم يتم احترام مبدأ ترشيد المصاريف باعتبار ان مبالغ هامة صرفت في أبواب غير ذات جدوى أو على الأقل لم تستوفي الاجماع الوطني وأخص بالذكر المبالغ التي تم رصدها لانتدابات الاستثنائية والمساعدات المرصودة لبعض الجمعيات والى غير ذلك.
كما انه لم يتم احترام مبدأ عدم تخصيص الإيرادات وتخصيص النفقات حيث ان المبالغ المرصودة في أبواب معينة من الميزانية تم توجيهها لأبواب اخرى وخاصة التحويلات من باب أبواب التنمية الى أبواب التصرف.
كل هذه المشاكل مردها عدم احترام مبدأ التوازن بين الموارد والأعباء باعتبار ان تقديرات الموارد لم تكن واقعية بل ولم تكن جدية.
قفزت ميزانية الدولة من سنة 2010 الى سنة 2013 من 18,235 مليار دينار الى 26,692 مليار دينار. بل بالأحرى قفزت المصاريف بهذه الصورة الصادمة بدون ان يكون للدولة قدرة على خلق الثروة لتغطية هذه المصاريف.
ولتغطية هذا العجز عولت الحكومة آنذاك على التداين وهو ما يفسر ارتفاع نسبة الدين بعشرة نقاط في خمس سنوات، وعلى استهلاك مدخرات الدولة ومنها رصيد بيع حصة من اسهم اتصالات تونس.
جدير بالذكر أن مبدا الشمولية وقع الرمي به عرض الحائط في ما يخص الهبات التي تستلمها الدولة التونسي حيث لا يتم احتساب هذه الهبات بميزانية الدولة بل بصفة موازية. هذا يعد ضربا للقواعد الاساسية للميزانية والحوكمة لان عملية التصرف في هذه الهبات بهذه الشاكلة تجعلها خارج نطاق مجهر الشفافية وخارج مجال الرقابة.
والدليل على ذلك ان تقارير هيئات الرقابة لا تشمل التصرف في الهبات بأنواعها.
عملية إقصاء الهبات من الميزانية ليست جديدة الا انه قبل 2012، كانت الهبات تدرج بمنظمة أدب لتنظيم المصاريف العمومية والتي تمثل آلية لاحترام القانون وشفافية المعلومات وذلك ما تم التوقف عن تطبيقه بدون تقديم اي تفسير.
التساؤلات حول سوء التصرف لا تخص فقط ما تم ذكره في التقرير الضخم لدائرة المحاسبات بل تتعدى ذلك الى محال الهبات التي لا نعرف حجمها وأين ذهبت وكيف صرفت وللاسف لا وجود لهيكل في تونس يقوم بمتابعتها لان الجهة الوحيدة التي لها النظر هي المانحين. وإذا تنوع المانحون تنوعت اطماعهم وتلون خدامهم.